نقش
أسماء وأشياء وشجن ضجِرّ
2010-05-17
فايز الفايز
سادة ، وخدم بلا سادة ، وسادة دون رأس ، وليل متعب بلا وسادة ، هكذا هي كثير من أسماءنا وأشياءنا ، ماض بلا التفاته ، ومستقبل بلا استشراف ، ماذا كنا ، وما سنكون ، تلك ليست مسألة ، فالمسألة ماذا نحن الآن ، ولماذا الكل مشغول بكل شيء ، إلا مصلحة الوطن ، لماذا الأخوة السادة غير عابئين بشيء ، ولماذا الكل أصابه الملل ، واللا مبالاة ، فلم تعد للأشياء معنى ، والكل يطلب منك كل شيء دون أن يقدم لك أحد شيء ، يختبئون خلفك ، ويصرخون بصوتك ، وإذا ما التفت لا تجد سوى فراغ يملأ المكان ، وجدار آيل للسقوط مكتوب عليه الأشجار تموت واقفة ، فتسأل نفسك وتسألهم ، لماذا تتركون الأشجار تموت ؟ فليس هناك فرق إن كانت واقفة أو ملقاة في قاع واد ، إن كانت ميتة ، الأشجار الميتة مصيرها النار يا صديقي .
القبور يا صديقي لا تزحف ، والموتى لا يخرجون في مسيرات ولا يلقون أشعارهم على منبر المقبرة ، فهل تريدني أن أكتب خبرا عاجلا ، بأن مظاهرة خرجت تعدادها مئة الف كفن ، تلك مجرد أضغاث أحلام ، لا بل كوابيس ، كما هي مشاهد بيوت القرية وأحياء المدينة الفقيرة ، حينما تكون كابوسا أو طالع شؤم لأحد المسئولين الأغنياء .
أي المرايا أصدق .. أهي التي لا نرى وجوهنا فيها ، أم تلك التي نرى وجوههم من خلالها ؟ ،، إن مرايانا المقعرة زادت على كهولة عطائنا وكرامتنا كهولة ، وأشعلت شيب عزتنا في رأس الكبرياء ، يا صديقي هذا زمان ليس فيه أنبياء ، هذا زمان لم نعد نسمع فيه عن أولياء ، هذا زمان قتلنا فيه الأدعياء .
طالما كنا نكابر ، نكذب على أنفسنا فنموت ولا نطلب الرحمة ، لا لأننا لسنا بحاجة إليها ، بل لأن عنترة النائم داخلنا يأبى على كرامتنا أن تنكسر أمام غرورهم ، وهكذا أمضيناه عمرا صحراويا كنا فيه الجبال الشمّ الشامخة الجرداء ، تطاول السماء ولا تشحذ المطر ، وبقيت أوديتهم ومستنقعاتهم هي الملأى بالماء ، المطرزة بالخضرة ، ولكنها مليئة بالطحالب ثم لا تلبث أن تأسن مياهها .
نعم ، نحن يا صديقي الصفر في خانة الأرقام ، قد نكون ولكننا لم ولن نخون ! ، و مهما بلغت أرقامهم علوّا ، سيبقى لنا الفخر والسلوان ، أننا نحن البداية دائما ، وليس قبلنا شيء ، ومن خانتنا نحن انطلق القوم ، وكلما قطعوا شوطا في كتائب أرقامهم ، عادوا الى صفرنا ليزدادوا به ضِعفا ، فنزداد قوة ليزدادوا ضَعفا .
هل نحن أسماء بلا معنى ، أشياء بلا مغزى ، هلام ، هل نحن مجرد كلام ، أم قوقعات استمرأنا الانطواء لنحافظ على النقاء ، قد نكون ، وقد لا نكون ولكن ما تراه لا تخطئه العين ، فإن كنا أسماء سنبقى أسماء تجترها أسماء ، ولنا أشياء ، لم نأت من الفضاء ، وهؤلاء حتى أسماؤهم ليس لها معنى ، وليس لها ذكرى ، إنهم مجرد أرقام في سلسلة الأيام ، تموت كما تموت في الصباح حفلة الليل المليئة بالأحلام .
إن أجمل صوادف الأيام ، إننا لم ندخل حربا منذ سنين طوال ، وهذا ما يضفي على بطولات هذه الايام شرعية وقوة كما في الأفلام ، ليفرد الكل عضلاتهم بلا أي امتحان ، وإلا لوجد البعض أنه لا يستحق أن يطلق عليه لقب أرنب الموسم ، فكل البطولات لم تكن سوى حبر على ورق ، وكلام في كلام ، ثم لا نلبث يوما حتى نرى نجما صناعيا يسطع في سماء الوطن ،كالقنبلة المضيئة ، يشار له بالبنان ، وينادى به أنه المخلص المخلّص ، فهو يملك مفاتح الجنان ، وصولجان الغفران ، ثم فجأة وعندما يثور غبار أخطاءه وخطواته مبتعدا عن بيادر قريتنا ، تشم حينها رائحة الخطيئة والنكران ، لينبري أرنب جديد ليشرح شخص المجتمع من جديد ، وهكذا دواليك تسير بنا الحياة في ساحة الوطن السعيد ، ومن ينعقون في الظلام أكثر من الذين يغردون في ضياء الصباح .
يا صديقي ، قتلنا الضجر ، لقد قتلتنا أسماؤنا ونقتل نحن أشيائنا ، حتى أصبحنا كشجرة الشوك القاسية تنبت في كل مكان ، محرومة من أدنى اهتمام ، لتقتل ما حولها من نبات ندي وزهر ورّدي جميل ،، لقد أصبح جمالنا عارنا ، وجوهنا أقنعة نحاول أن نخفي شؤم أيامنا خلفها فكل يوم لنا وجه ووجهة ، وكل مساء لنا "حكواتي " وقصة ، فلا ظهيرتنا أسعفت ركابنا ، ولا ليالينا أنقذت جوع قطيعتنا ، لنبقى هكذا بلا التفاته ، ليس لأننا وهمّ ، بل لأننا حقيقة صارخة ، لأننا سادة لا نملك القهوة السادة ، بعدما قدمناها لأصحاب السعادة .
ياصديقي : إنهم كذبة ، هم ليسوا سوى وهمّ ، يحاولون إثبات حقيقته لنا ، تماما كالسحرة يلقون عصيهم ويطالبوننا بأن نؤمن بأنها أفاع ٍ تسعى فنخشاها ، تماما كما استبدلوا منذ سنين قمح خبزنا بكعك تفاهاتهم ، و" كورن فلكساتهم " ، ولكن مهما تداولوا الأيام ، ستبقى أيها الوطنيّ الأبيّ ، تمثال الفخر والمروءة والشرف ، رغم نسيان أهلك لك ، سيتذكرونك ، وإن لم يفعلوا سيستظلون بك يوم حرّ قائل ، أليست شرفة الوطن أعلى ؟!
.
.
فايز الفايز
.