رسالة من الطفل الفلسطيني إلي كل أهل الأرض
بقلم : الشيخ رائد صلاح - رئيس الحركة الإسلامية
1- أنا الطفل الفلسطيني الحي الذي لم يرزقني ربي الشهادة كما رزق أخي محمد الدرة وكما رزق أختي إيمان حجو وكما رزق بقية أخوتي الأطفال الشهداء !!
أنا الذي قد اخطأتني رصاصات قناصة الاحتلال عشرات المرات بينما كنت أنام على فراشي في بيتي، وبينما كنت قائما في غرفتي خلف الشباك أراقب الدبابات وهي تسحق أشجار الزيتون، وبينما كنت في طريقي إلي الدكان كي اشتري لأخي الرضيع علبة حليب، وبينما كنت على مقعدي في مدرستي، وبينما كنت قائما لله تعالى في صلاتي !! نعم لقد اخطأتني رصاصة قناص الاحتلال قبل أيام حين مرت قرب أذني، واخطأتني رصاصة أخرى مسحت شعر رأسي، واخطأتني رصاصة ثالثة اندفعت بلهيبها بين قدمي، واخطأتني رصاصات ورصاصات تراكضت تحمل الموت عبرت تؤُزّ عن يميني وعن يساري ومن فوقي ومن تحتي !! أنا الطفل الفلسطيني الذي اخطأتني قذائف الدبابات وراجمات الصواريخ وقنابل الطائرات وقذائف مروحيات الأباتشي الأمريكية !! فلا نامت أعين الجبناء!!.
2- أنا الطفل الفلسطيني الذي قد هدموا بيتي فوق رأسي وفوق رأس أمي وأبى وأخوتي في مخيم جنين ومخيم بلاطة ونور شمس وفي سائر مخيماتنا وقرانا ومدننا في الضفة الغربية وقطاع غزة !! فاستشهد أبى تحت ردم بيتنا الذي تحول إلى رجم حجارة، واستشهدت أمي وهي تحمل أرغفة خبز فوق رأسها جاءت مسرعة بها لتطعمنا، واستشهد أخوتي وهم في مواقف المواجهة لدحر الاحتلال !! أنا الذي ودعت بيتي المهدوم ولم أعد إليه حتى الآن، فأقمت أياما عند خالتي فهدموا بيتها، ثم أقمت أياماً عند عمتي فهدموا بيتها، ثم أقمت أياما جوالا متنقلا عند القريب والبعيد، وها آنذا طفل يتيم بلا أم ولا أب ولا إخوة !! ها آنذا طفل يتيم بلا بيت !! فهل تحملون جرحي ؟! وهل تجبرون كسري ؟! وهل تغيثونني لأبني بيتي من جديد ؟! ألست طفلا غاليا عليكم وكريما على نفوسكم ؟ ألست طفلا معتبرا من عالم الطفولة الإسلامية والعربية ؟! ألست كذلك ؟! لا تغفلوا عني ولا تهملوني ولا تتركوني وحيدا .
3- أنا الطفل الفلسطيني الذي خرجت- بحفظ الله تعالى- من تحت ركام بيتي حيا، ثم طفقت اركض وسط الدمار في مخيمنا ومن فوق رأسي الطائرات تطاردني وتطارد بقية أهلي الهائمين على وجوههم والصارخين، فمررت وأنا اركض في شوارع المخيم المجروفة وأزقته المحروقة، مررت بجارنا (أبو محمود) شهيدا عند أعتاب بيته المهدوم، ومررت بجارنا (أبو سعيد) جسدا بلا رأس ورأسه على بعد متر من جثمانه الغارق بالدماء، ومررت بعشرات الأيدي المبعثرة هنا وهناك، والتي لم أعرف أصحابها، رغم إنني عرفت أن بعض هذه الأيدي الصغيرة كانت لأطفال صغار لعلي كنت قد تعلمت معهم في مدرسة واحدة، ولعلي كنت قد لعبت معهم في حقل زيتون واحد، ولعلي كنت قد ركضت معهم في بيارة البرتقال الواحدة، والآن اصبحوا شهداء ممزقين لا أرى عيونهم ولا وجوههم ولا ابتسامتهم، بل أرى منهم الطفل الفلسطيني الذي رأى كل ذلك، ورأيت الأرجل المبعثرة ومن حولها قطع لحم وبقع دماء تحيط بها كما يحيط الأسور بالمعصم !! فَلِمن هذه الأرجل يا ترى ؟! هل هي لأخي الذي استشهد عند بوابات المخيم ولم أره بعد ذلك ؟! هل هي لعمي (صابر) الذي قيل لي عنه أنه قد تصدى لدبابة ففجّرها بعد إذ فجر نفسه بلا تردد؟! هل هذه الأرجل لخالي (حمزة) الذي قيل لي عنه أنه وقف يدافع عن حرمة مسجد المخيم حتى مزقته قذيفة دبابات الاحتلال ؟! رباه ارحم نكبتي !! رباه ارحم غربتي !! رباه ارحم حسرتي !! لمن هذه الأيدي المبعثرة ؟! لمن هذه الأرجل المتناثرة ؟! لمن هذه الأجساد الممثل بها ؟! لمن هذه الوجوه المسمّلة العيون ؟! أنا الطفل الفلسطيني الذي رأيت كل ذلك وما زلت أراه ماثلا أمام عيني طوال الوقت
يتبع