هل الشيخ اللويسي شخصية حقيقية أو خيالية ، واقعية أو أسطورية ؟ سؤال قد يتبادر إلى ذهن القارىء ، وربّما لا يلقى جواباً وسط ما تثيره ـ مطوّلة سعود الأسدي الرائعة ـ كما وصفتها مجلة الآداب البيروتية كقصيدة فذة في الشعر الفلسطيني بامتياز . إنها رائعة حقاً بما امتزج فيها من عناصر الفن والإبداع بتفاصيل وتداعيات متوهّجة وصورباهرة من ربوع الوطن ، وهي قصيدة مركبة ليست مسطّحة وفقراتها أشبه بحركات متعدّدة في شخصياتها المتداخلة. كيف نسج الأسدي هذه القصيدة بظلالها الفلسطينية وبهذا التركيب الحداثي في الشعر الفلسطيني المعاصر ؟! لابأس يا سعود الأسدي تجعل من الحجر الذي أهمله البنّاؤون راساً للزاوية . وإذا صنع موسيقيّو الغرب من قصائد كبار الشعراء " القصيد السيمفوني " فإنّك باقتدار فائق جعلت من اللغة الفلسطينيه المحكية ، وأنت أستاذها وسيدها ، سيمفونية شعرية تشنّف آذان القاصي والداني . والقصيدة بمكوّانتا من مادة وروح ، وحس ووجدان وزهد وتصوّف تجعل من شخصيتها المحوريّة " الشيخ اللويسي " وليّاً من أولياء الوعي والإدراك والمحبة والصدق واستشعار الخطر والتنبؤ به . وكذلك من الشخصيات الثانوية شخصيات أليفة محببة ، فالحاجّة " حمدة " من قرية دورا الخليل في دفاعها المستميت عن الشيخ اللويسي ردّت كيد شائعات المتجنّين عليه من الرجال إلى نحورهم ، وهذا الردّ الأنثوي الرقيق والعميق والخصب بما فيه من أسرار حياتية جعل من جلافة الرجال وصلافة تعابيرهم أضحوكة .وأما( شيخ النَّوَر) فإنه حاز شرف الكلمة عندما قال : صحّ العرض مثل الأرض غالي لكن الروح أغلى !! وكذلك جدتك العظيمة " زليخا " ما هذه الجدة المرجعية ؟ فقد صفعت ضمناً فريقاَ كاملاً من الذين" اشتغلوا " بالسياسة في مكاتبهم ودكاكينهم وصالونات سمرهم ، ولم يكونوا يسمعون صوت اللويسي الجهير يجلجل صباح مساء معلناً " سياسته " الاستشعارية المتجمّعة بين جوانحه من مشاعرعامة الناس كما يتجمّع النور في حبة الألماس ، بل كانوا يهزأون به ويرون صاحبه " أخوث" وهم " عقلاء" حتى جاءت النكبة . فما أن زعق الزاعق حتى ركبوا سيارتهم الخصوصية ، ويمّموا شطر مصايف بيروت والشام . وأما جدّتك زليخا بترديدها " نبوءة الشيخ اللويسي" قد دعّمت صدق تلك النبوءة العاقلة القائلة بضياع الوطن برغم ما في ذلك التدعيم من رثاء يتشظّى مرارة مستبدّة دائمة ( كتفجير نووي متواصل ) لا تعادلها أيّ مرارة في الوجود !! واسمح لي أخيراً أن أقترح عليك أن تستبدل العنوان أعلاه بعنوان " نبوءة ضياع فلسطين " كما سبق وتنبّأت بضياع العالم العربي بقصيدتك التي سبق ونشرتها تحت العنوان " نبوءة التيه الأخير" أو ( قصيدة من قاع الدّست ) ومطلعها : قتلتني تلك العيون السّواهي بالذي تحت سهوها من دواهي بإخلاص ح. عبدالله الشيخ اللويسي كانْ ،
وِالناسْ في حيفا وْقضاها بِعْرَفوه ،
درويشْ عابابَ الله كل يوم يْشوفوه ،
بْلفـِّه وْثوب مْرقَّع وْجِبِّه ،
وِالوَسَخ خُمْل الكَفّ عَ القبِّه ،
وْمِسْبَحَةْ يُسْر بْرَقْبَتُو ،
حَبّاتْها سُوْد بْعَدَدْ
أسماءْ مَوْلانا الصَّمَدْ .
وِبْإيدو مُحْجانِه
وِجْيابو خُبْز وْتمِرْ مَلْيانِه ،
ماشي حَفَا بْحيفا ،
بْلحظَه يكونْ عَ الشَّطّ
عِند بَـبُّور القُطُنْ ،
وْبَعِد لحظه تشوفو في المينا ،
وبعد لحظه مثل طير يْطِيرْ
مْن السّعادِة لَلعزيزيِّه ،
وْمن عمودْ فيصلْ
لَلجّرينِه وْسَاحْة الحناطيرْ ..
**
وِالناسْ كانوا يِسْمعوه
وْيِحْكُوا مَعُو وِيْمازْحُوه
وِالبعضْ كانوا يْزَوّدوها وْيِزِعْلُوه
تايصيرْ يُهْدُر هَدِرْ وِيْردِّدْ:
" هِدِمْ دِدِمْ دِلِم يِلِمْ أفَنْدِمْ "
…وْبالأخير يِخْتِمْ :
" يِلْعَنْ أبو الْ يِحْكي
وأبو الْ ما يِحْكي " .
*** وْمِنْ كُثُرْ ما الشيخ اللويسي كانْ
سايح بْحُبّ الله
إلناسْ قالوا عَنُّو : إنّو كانْ وَلِي
يْكاشِفْ وِيِتْباصَرْ .
*** في مَرّه قائدْ إنجليزي حَقَّرو ،
رَدّ اللويسي عليه : الله يِلْعَنَكْ ،
نِيْع الإِنِجْليزي بَعِد سيعَه التَوَقْ ،
رِجِعْ ثاني يومْ يِسْتَخْطي ،
وْباسْ إيد اللويسي وِتْرَجَّاهْ ،
قام اللويسي أخَذْ فَرْدِةْ كُنْدَرَه
وْضَرَبْ نِيْع الإنجليزي صَحَّحُو !
*** وِالناسْ ما نِسْيُوا لحدّ اليومْ
يومٍ كَشَفْ في حيفا عن حَيِّه
مْقَرّصَه بْلَبَنَاتْ فلاّحَه
جايي تْبيعِ اللَبَنْ في السّاحَه
ساحْة الحناطير ،
وهي الحُرْمِه خاطْمِه جَنْبو
وْحامْلِه دِسْتِ اللبنْ عاراسْها
قَلْلا: اسْـتَـنِّي شْوَيّ ياحُرْمِه
وْقام الرّجُلْ عَالفورْ
هيكي ،
وْأخَذْ دِسٍت اللبن عن راسْها
وْلا شور وْلا دستورْ
كُبْ ،كَبِّ اللبنْ في الساحَه
ساح اللبنْ أصفرْ بلون السّمّ
وْقَبِلْ ما الحيّه تخشّ الحَيّ
وِتْبَلِّش تْفاعي ،
اللويسي شِرِبْ جُغْمِة مَيّ
وِتْعَوَّذ وْسمّى وْنَدَهْ :
يَلاّ يارْفاعي !
وْراحْ داشِعْ دوزْ عَ الحيِّه
وْنادَى عليها : وينْ يا سَعْدَى!
جالِكْ أبو جَعْدَه ،
يِعْمَلِّكِ زْيارَه ،
وِيْرَقِّصِكْ عَ الدّفّ والطّارَة ،
إرْجَعِي من الحارَه !
وِالحيِّه رِجْعَتلُو بْإشارِةْ إصْبَعو
وْزَحْفَتْ لَعند اجْريه وْرَفْعَتْ راسْها
هَدّ وْلَقَطْها وْلَكّها عارَقْبِتو
حَيِّه جَدْرَا طُوْلْ غَمَّارَه !
والناسْ لمّا شافوا هَالشّوفِه
البَعْضْ ياخوفي !
راحُوا فَلِيْخَا ، والبَعِضْ قالوا :
هذا الشخِص مبروكْ ،
فيهْ سِرّ من ألله !!
وِالحُرْمِه أخْذَتْ إيْدوا باسَتْها
ولما رَمَى لْها الحَيِّه داسَتْها
وْشَكْرَتو وْقالتْ :
سلّمتني يا شيخْ ألله يْسلّمَكْ !
وِبْجاه سِيْدي الخَضِر ألله يْكرّمَكْ !
*** وِحْكايْةِ الحيِّه انْتَشْرَتْ في البَلَدْ
وِالناسْ من كَهْل وْوَلَدْ
قالوا الشيخ اللويسي سِرّو كْبيرْ
*** وِحْكاية مْبارِحْ
لماّ بَقَا بأرْض الوَعَرْ سارِحْ
بِكلْمِه مِنُّو طالْ طِفْل زْغيرْ
لما وِقِعْ في بيرْ (بِالكبابيرْ )!!
*** وْبَعِدْها بجُمْعَه
وِالناسْ يوم العيدْ مِجْتِمْعَه
فَجْأه أجَالُو هادِس وْقَلْلو :
يا حيفْ يا لْويسي !
تْعَيِّد بْحيفا هونْ لحالَكْ
وِالعيدْ يِهْنالَكْ؟!
وِامَّكْ بيوم العيدْ جوعانِه
وِثْيابْها خُلْقانْ بَليانِه ؟!
بَقَى ليشْ ناسِيْها ؟
وْأيش سَوَّتْ تا تْجَافيها ؟!
فِزّ يلاّ قُوْمْ !
رُوْح طَعْميها وإكْسِيْها !
*** وإمّ اللويسي ساكْنِه بْأرْض (اليَمُونْ)
بِحْذا (جِنينْ) غَرْبا ،
وْما خَفَاك الحالْ ،
إللويسي قالْ :
ياحَيّ يا قَيّـوم !
تَنِّي أقُوْمْ ،
وْراحْ يُرْكُضْ من شْكْل مجنونْ !!
وْمن قَبِلْ ما تْصُبّ كاسِةْ شاي
وِتْحَرّكو وِتْلِفّ سيجارَه
وْتِسْحَبْ عليها نَفَس وِالثاني
كانْ صار مْوَدّي لإمُّو
طَرْحَه من خبز الطَّبـُونْ
من عند عَمْتو في(الدّمُونْ)
وِصْلَت وهي ْ سُخْنِه تْهَبِّلْ عَ اليَمُونْ
ودوزْ دُغْري على (الخَمّاراتْ )
راحْ للخيّاطْ ( جَبْرا ) وْفَاصَلُو ،
وْفَصَّلْ لإمّو عَ المَحَلّ شَنْتَه
وْقَبِل ما يْصَلُّوا صلاة العيدْ
وِيْعايْدُو: وْكُل عام وِانتو بخيرْ
وِصْلَت وهيْ مَطْوِيِّه بالشَّنْتَه ؟! *** وْلما حُرْمِه تُقْعُد تْقاسِي
وْطَلْقْها يُبْرُدْ
وِالجْيابِه مَعْها تِتْعَسَّرْ
كانوا يْقُولوا نادُوا عَ اللويسي
وْلما كانْ يُحْضُرْ
وِيْطُولْ مِسْبَحْتو ،
وْيِقْرَا وِيْعَزِّمْ ،
وِيْبَلِّش يْتَمْتِمْ ،
في الحالْ كانْ طَلْقِ المَرَا يِحْمَى
وِالجْيابِه مَعْها تِتْيَسَّرْ
وْبعد لحظَه الحُرْمِه تِتْبَشَّرْ
مِنِ الدّايِه بالبِنِتْ أو بالصَّبِي
قَبِلْ ما يِخْتِِمْ صَلاتُو عَ النّبِي !!
*** وِالناسْ قالوا في بَعِضْ مَرّاتْ
شيخ اللويسي كانْ لُو شَطْحَاتْ
وِبْإذِنْ ألله كانْ ،
يِرْكَب بْساط الرّيحْ
وبِْكلّ فَجْر يْطيرْ عا مَكِّه
يتِْوَضّا من زمزمْ
وِيْصَلِّي في الكعبِه
وقبل ما يْفِجّ النهارْ
وِتْبَلِّش العتمِه تْزيحْ
يِرْجَع عَ حيفا وْتَحْت ( مار الياس )
يْغُزّ كُوعْ بْجَنْب صَخْرَه وْيستريحْ !!
*** وْظَلّ اللويسي عَ هَالرَّشِّه سْنينْ
حتى لَمِّنْها أجَتْ سيعتو وماتْ
-
-
يتبع
-
-
-
-