القالة تاريخ و ساحل و مرجان (02)..// بقلم : السعيد موفقي - الجزائر
[ شوهد 282 مرة ]
بقلم : السعيد موفقي
قد يكون عمره ستين سنة ، تجاعيد جبهته كثيفة تغطيها قبعة من صنع محلي توحي بالوقار و التجلد و القناعة ، يتحدث إلى صديقه في وقار كالمشتكي و يداه لا تتوقفان عن لف أوراق من صفحات الجرائد القديمة بمختلف اللغات ، من حين إلى آخر يسلم واحدة محشوة بالفول السوداني لأحد المارة و يستلم بدوره بعض الدنانير و قليلا ما يقبض ورقة نقدية يشعر إزاءها بالحيرة و القلق ، يخرج كل نقوده في حياء و المشتري ينتظر نقوده يأخذها ثم يمر ، احتار في أمرنا و نحن نلاحظه ، أيقن بأننا غرباء على المكان و توقع أسئلتنا و لم يتردد عن الإجابة كما لو أنّه ينتظرنا منذ زمن ، كان قعوده قبالة كنيسة قديمة يبدو أنّها من القرن التاسع عشر ، جدرانها تآكلت بفعل الحت و التعرية ، أدرك سؤالنا هذه المرة و قال ، هذا جامع النصارى كما ترون حولته أيدي لا تعرف معنى العمران إلى سوق لمختلف المشتريات ..و ما أدراك ما السوق !!!
كالغاضب : يا أبنائي كم كان منظره جميلا قبل أن يحول إلى سوق و خاصة في مكان جميل كهذا الساحل الحزين ، و لماذا حزين يا عمي الحاج ؟ ألا ترى إهمال الناس له و يمرون من أمامه غير مبالين مع أنّه يكتنز تاريخا عظيما لأجيال عمّرت زمنا و عبرت من هذا الطريق ثم اختفت ، و السياح المتوافدون يوما بعد يوم لا يتوقفون عن تأمّله ، لا شك أنّهم يتحسّرون على حال هذه الكنيسة الشامخة ....استقطعته يا عمي الحاج منذ متى حُولت إلى سوق ؟ لا أذكر بالتحديد لكن الجريمة حدثت منذ عشرات السنين ....يتدخل صديقه بغيرة كان بإمكانهم أن يصنعوا من هذا المعلم التاريخي مشهدا لكل الأجيال بالحفاظ على البناية و حماتيها من التشوه الطبيعي أو بفعل الإنسان كالذي حدث لها الآن ...قلت في نفسي والله الرجل يحمل وعيا حضاريا لم يبلغه كثير من المثقفين من أهل المدينة على الرغم من وصايتهم على كل صغيرة و كبيرة ، و تركناهما على أمل اللقاء بهما في فرصة أخرى و اتجهنا إلى الكنيسة متشوقين لمعرفة أسرار أخرى غير أننا فجئنا لدى بابها شخص يبدو أنّه موظف يبيع تذاكر للدخول ، و كان لابد من الدخول ، قلت في نفسي عليّ أن استكشف هذا العالم حتى و إن كانت أسراره بضاعة محلية بمختلف أنواع الزّي التقليدي لأهالي ولاية الطارف عامة و القالة خاصة تهت قليلا ، بينما كان صديقي يتأمل ما يروق له من مختلف المعروضات ، ألبسة و أزياء تقليدية أخرى امتزجت فيها أشياء من البحر ، عرفت بها المدينة عالميا لعله المرجان الأحمر .... كدت أنسى الذي جئت من أجله ، تفرقنا من غير شعور و ظل نظري عالقا بسقف المدخل و ضخامة البوابة و على جانبيه لمسات فنية قمة في التناسق و التآلف و تداخل أحجار ضخمة ، لم توضع ببساطة تبدو لك من بعيد كاللوحة و لكنها بلون واحد و أشكال الطغراء المتداخلة زادتها بهاء و جمالا و بهوها الرحب يشعرك بلهفة المعرفة و لكن تسأل من ؟ عندما تتأمل السقف يجذبك شكل القبة العتيق لا يخلو من فسيفساء متقاربة من حيث تناظرها المشبع بنتوءات و أشكال نُحتت بإحكام ينزل من وسطها سلسلة عظيمة تمسك بوسط ثريا ضخمة يمكن مسكها ، و في عمقها مداخل و تجاويف متساوية المساحات تشكل حزاما للبهو يتوسطها منبر يمتد إلى سقفها ، كان ذات يوم تعج به الحياة غير هذه الحياة ، بينما المدرج أقتلع و أصبح مجالا للمارين و البائعين ، كانت نزهة مع التاريخ لهذا المكان بينما صديقي ينتظرني خارج المبنى و قد انتهت نزهته بمجرد اقتنائه للهدايا التي حدثني عنها في الحافلة فيما بعد.
--
--
-