شماتة القدرُ جمال حمدان
قال الغراب بان الليث يحتضرُ
والسقم قاتله إن وافق القدرُ
بُشَّ الحمارُ واخفى خسَّة وأتى
لليثِ في أملٍ أن يصدق الخبرُ
"مولاي لا ارتفعت جُنحُ الغرابِ بهِ
إذ قال سيِّدُنا للموتِ ينتظرُ"
عندي دواؤكَ لكني أخاف إذا
ما عيل صبرك لا تبقي ولا تذرُ
هلاَّ رضيت بربط في الحبال فقد
أبغي الأمانَ , ويُملي ذلك الحذرُ
قال الهزبر له ما عدت مكترثا
مهما الدواء يكن .. أرضى ولا الضجرُ
شدَّ الحمارُ وثاقَ الليثِ في عُقدٍ
فاقت بشدتها ما الليث يحتملُ
حتى اطمأن , أتى المغدورَ يرفُسُهُ
والحقد صار لظى كالنار يستعرُ
ولَّى على ثقةٍ , والليث مرتهنٌ
بين القيود , ودمع العين ينهمرُ
عند المساء أتى فأرٌ لوجهته
فارتاع حين رأى ليثا به خوَرُ
" إني فداؤك يا مولاي وا أسفا
مالعينُ فيكَ ترى , من غرّه البطرُ"؟
قال الهزبر ُ لهُ أغرى الحمارُ بنا
حتى وثقتُ به . لكنه أشرُ
إن أظفرنَّ به يوما فسوف ترى
لن يبقينَّ له فوق الثرى أثرُ
إن كنت تنقذني يا فار نلتَ قِرى
ذاك الصنيع حياةً ما بها كدرُ
تلقى الأمان وتحيا عيشة رغدا
إن كنتُ في حل , أو ظلني سفرُ
أبدا السعادة ذاك الفار وابتدأَ
قرْضَ الحبال فزال البأسُ والخطرُ
ما إن تحرر ذاك الليث فاتجه
صوب العرين , وحارت في النهى الفكرُ
لَـمَّ المتاعَ , وأخفى دمعه ومضى
في الدرب مرتحلا , والقلب يعتصرُ
والفأر يرقبه , والعقل شتَّ بهِ
أين الجزاءُ . وأين العهدُ والنذرُ؟
قال الهزبر له والدمعُ غالبه
أزرى الزمانُ بنا , والأهلُ قد غدروا
لا خير في وطنٍ سادَ الحمارُ به
والفأر ذو شأنٍ , والليثُ يُحتقرُ !